بعد سبعة أشهر من اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، أعلن وزراء الخارجية العرب نهاية أكتوبر من نفس العام خطة لتسوية الازمة السورية سياسيا بعد استخدام النظام وقواته الأمنية السلاح أمام الثورة السورية حينها والتي احتجت سلميا طيلة الأشهر الخمسة الأولى قبل أن حملها السلاح لمواجهة القوات الأمنية.
شكل تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية التي بدأت بواسطة عراقية عمانية وما أعقبها من اتفاق الصلح برعاية صينية في آذار/ مارس الماضي محطة فارقة ومنطلقا لصايغة العلاقات بين معظم الدول العربية والنظام السوري.
خلفيات العلاقات السورية العربية في العقد الأخير:
بعد سبعة أشهر من اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، أعلن وزراء الخارجية العرب نهاية أكتوبر من نفس العام خطة لتسوية الازمة السورية سياسيا بعد استخدام النظام وقواته الأمنية السلاح أمام الثورة السورية حينها والتي احتجت سلميا طيلة الأشهر الخمسة الأولى قبل أن حملها السلاح لمواجهة القوات الأمنية.
وفي نوفمبر 2011 علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا إثر اتهامات للنظام السوري بعدم تنفيذ بنود المبادرة العربية لحل الازمة السورية، ومواصلة قوات النظام ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين السوريين.
وكان من بين قرارات وزراء الخارجية العرب الذين عقدوا جلسة عمل في مقر الجامعة، مطالبة الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق دون الزامها بتنفيذ ذلك على اعتبار أن قرارا كهذا يُعد قرارا سياديا يخص كل حكومة من حكومات الدول العربية.
واعترضت دولتان على القرار، هما لبنان واليمن، فيما امتنع العراق عن التصويت، وجميعها دول يمكن إدراجها ضمن دائرة النفوذ الإيراني.
وتضمنت الخطة العربية "سحب الآليات العسكرية ووقف العنف فورا" لطمأنة السوريين وبدء حوار بين السلطات السورية مع كل مكونات المعارضة تستضيفها القاهرة.
ورفضت سوريا هذه الخطة، كما رفضت مبادرات وخطط أخرى بذريعة أن ما يحدث في سوريا شأن داخلي سوري يمكن للسوريين التوصل إلى حلول بعيدا عن أي تدخلات خارجية.
مهد الرفض السوري لاتخاذ جامعة الدول العربية في نوفمبر 2011 قرارا بتعليق عضويتها في الجامعة والطلب من الدول العربية قطع جميع العلاقات مع دمشق.
بعض المحطات التاريخية في العلاقات العربية مع النظام السوري:
نوفمبر 2011، أصدرت جامعة الدول العربية قرارا بتعليق عضوية سوريا وطالبت الدول الأعضاء بسحب سفرائها من دمشق.
في ديسمبر 2018 أعادت دولة الإمارات فتح سفارتها في دمشق وتعيين قائما بالأعمال.
في أكتوبر 2020، أعادت سلطنة عمان فتح سفارتها في دمشق، وهي أول دولة خليجية تعين سفيرا لها في دمشق.
نوفمبر 2021، وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد يزور دمشق ويلتقي برئيس النظام السوري بشار الأسد.
مارس 2022 رئيس النظام السوري يزور العاصمة الإماراتية أبو ظبي في أول زيارة له إلى عاصمة عربية منذ عام 2011. فيما زار سلطنة عمان في فبراير 2023 في محطته الثانية عربيا.
وفي يونيو 2022 أعادت مملكة البحرين فتح سفارتها بدمشق.
في فبراير الماضي، استقبل رئيس النظام السوري وفدا برلمانيا ضم ممثلين عن عدة دول كانت قطعت علاقاتها مع دمشق بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
إن مشاركة رئيس النظام السوري في القمة العربية، تعد إنجازا كبيرا يمكن ان تنظر اليه قوى النظام والدول الحليفة له، مثل ايران، بانه "انتصار" لسياسة الرفض التي انتهجها النظام لكل مبادرات تسوية
الازمة السورية، ومما يجدر ذكره أيضا أن ما بعد قمة جدة ربما لن يكون له تأثيراً كبيراً على مسارات الحل السياسي الذي لم يعد من بين أولويات الحكومات العربية التي أعادت علاقاتها أو التي ستعيدها مع النظام الذي مارس سياسة استفزازية أضرت بمجتمعات بعض الدول الفاعلة، أبرزها السعودية، عبر ترويج تجارة المخدرات التي في ذات الوقت ساهمت إيراداتها في الحد من تداعيات العقوبات الاقتصادية العربية او الدولية.
وفي كلمته أمام المشاركين في قمة "جدة" تحدث رئيس النظام السوري عن عروبة سوريا وانتماء بلده إلى الأمة العربية في خطاب ينظر اليه بانه توجه جديد نحو إعادة إدماج سوريا في محيطها العربي والابتعاد عن دائرة النفوذ الإيراني.
لكن الحقيقة أن بشار الأسد أكد أكثر من مرة على أن طبيعة علاقة بلاده مع طهران لا يمكن أن تكون من ضمن شروط عودة سوريا الى الجامعة العربية أو إعادة العلاقات المقطوعة مع معظم الدول العربية. ففي حديث له مع قناة "روسيا اليوم" اثناء زيارته الى موسكو في مارس الماضي،
أوضح رئيس النظام السوري "إن شرط ابتعاد بلاده عن ايران لم يعد مطروحا منذ سنوات، وان العرب يتفهمون طبيعة العلاقات مع إيران التي تمتد إلى أربعة عقود".
لم يصدر عن أي مصادر رسمية أية إشارات إلى أن القمة العربية الأخيرة ناقشت "التهديدات" الإيرانية، كما ان البيان الختامي رفض "دون تحديد" التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.
يمكن تفسير مواقف الدول التي لم تعلن عن موقفها الصريح من إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية، او استئناف العلاقات الثنائية مع دمشق، او إعادة فتح سفاراتها المغلقة منذ عام 2011، ومنها:
دولة قطر : ترى قطر أن الأسباب التي دعت الدول العربية لقطع علاقاتها مع دمشق وتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، لا تزال قائمة على الرغم من توقف الحرب.
ووفق تصريحات رئيس الوزراء القطري، فان الشعب السوري ما زال مهجرا وان هناك معتقلين أبرياء في سجون النظام، في ذات الوقت فان الشعب السوري هو الذي يجب ان يصل الى حل سياسي لازمته، وأن بلاده تشترط أن يكون هناك تقدم وحل سياسي للازمة السورية قبل أن تتخذ دولة قطر أي خطوة باتجاه النظام.
المغرب: لا يبدو أن الموقف المغربي من إعادة العلاقات مع النظام السوري على صلة بقرارات الجامعة العربية، إنما تعتمد في موقفها على الموقف من قضية الصحراء الغربية التي تطالب المغرب بالاعتراف بكونها جزء من الأراضي المغربية، فيما يتبنى النظام السوري موقفا مؤيدا لجبهة البوليساريو التي تكافح من أجل استقلال الصحراء الغربية.
الكويت: تتبنى الكويت رسميا موقفا ينسجم مع رؤيتها بعدم الخروج عن الإجماع العربي سواء في إعادة العلاقات مع النظام السوري او قطعها، لكن الحكومة الكويتية تواجه ضغوطا من قوى المجتمع المدنية والسياسية المؤيدة للثورة السورية والتي ترفض أي شكل من أشكال التطبيع مع النظام السوري ما دفع الحكومة الى تبني مواقف تحاول الموازنة بين عدم الخروج عن الإجماع العربي في ذات الوقت عدم الخروج عن رغبة المجتمع الكويتي.
الموقف الروسي من الأزمة السورية واللاجئين :
تتبنى روسيا منذ عام 2017 الدعوة في المحافل الدولية لعودة اللاجئين والنازحين والمهجرين الى مناطقهم.
لكن الدول العربية التي هي الاخرى تدعو لعودة السوريين الى مناطقهم، تشترط أن تكون عودة اولا عودة طوعية وثانيا عودة آمنة بضمانات.
كما أن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية تتحفظ على كل ما يتعلق بدعوات النظام السوري وروسيا حول عودة اللاجئين.
ففي سبتمبر 2021، وثقت المنظمة في تقرير لها "انتهاكات مروّعة" ارتكبتها قوات الأمن السورية بحق 66 لاجئاً، بينهم 13 طفلاً عادوا إلى سورية منذ عام 2017 حتى 2021، من دول عدة، أبرزها لبنان وفرنسا وألمانيا وتركيا ومخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية.
لذلك لا تبدو أن هناك أي مؤشرات لحل أزمة اللاجئين في المدى القريب طالما أن اللاجىء السوري لا يزال لا يثق بنظامه بتركيبته الراهنة.
من المهم لدول الجوار السوري التي تستضيف أعدادا من اللاجئين الذين تقدر أعدادهم بنحو 5.5 مليون معظمهم في تركيا بنحو أكثر من 3.6 مليون لاجئ وفي كل من الأردن ولبنان والعراق نحو 2.5 لاجئ، أن تتبنى الدول العربية مبادرات الى جانب المبادرة الروسية لضمان عودة اللاجئين. لكن كل هذا لن يتحقق ما لم يتفق السوريون، النظام والمعارضة، على حل سياسي تتمسك جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن أي حل يجب أن يكون وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
وأكد وزراء الخارجية العرب في مباحثات التمهيد لقمة جدة، الحرص على إطلاق دور عربي قيادي في جهود حلّ الأزمة السورية وانعكاساتها، ومن ضمنها أزمات اللجوء السوري في دول الجوار.
من المهم التأكيد أن عودة اللاجئين بحاجة الى دعم دولي وعربي لاعادة بناء المدن التي دمرتها الحرب خلال عشر سنوات، ولا تبدو في الأفق أي إشارات دولية على دعم إعادة الإعمار، كما أن الدول العربية اشترطت المساهمة في إعادة الإعمار في مقابل الحد من تهريب المخدرات.
جهود إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية:
يعتقد أن إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية هو ثمرة جهود إماراتية بالمقام الأول وسعي حثيث من الجزائر التي استضافت القمة العربية الماضية عام 2022 والتي أكد بيانها المشترك على قيام الدول العربية بدور جماعي للمساهمة في جهود التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية، دون الحديث مباشرة عن إلغاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة.
وساهمت عوامل في قبول جميع الدول العربية بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية باستثناء بعض التحفظات من كل من الكويت ودولة قطر والمملكة المغربية، لكن أي من هذه الدول لم تعترض على القرار رسميا، أبرزها:
قمة جدة ترسم مسارا جديدا للعلاقات مع دمشق:
في 19 مايو 2023 عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا على مستوى قادة الدول العربية في مدينة جدة بالسعودية بحضور رئيس النظام السوري بشار الأسد بعد غياب لأكثر من احد عشر عاما.
واختتمت القمة العربية اعمال دورتها الثانية والثلاثين ببيان مشترك يدعو الى "التعاون الإقليمي" في إشارة على ما يبدو الى انتهاء التوترات في العلاقات بين عدد من دول الخليج العربي وإيران، وانعكاسات ذلك على العلاقات العربية مع النظام السوري.
ودعا البيان الى "تعزيز العمل العربي المشترك، والتعاون في صون الأمن والاستقرار وحماية سيادة الدول وتماسك مؤسساتها".
وأقرت الجامعة العربية إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة على أمل أن تساعد هذه الخطوة في "تجاوز سوريا أزمتها" المستمرة منذ 12 عاما.
ولأول مرة منذ عام 2011 شارك رئيس النظام السوري في أعمال مؤتمر القمة العربية مع الإقرار بأن الأسباب التي دعت الدول العربية لاتخاذ قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وقطع العلاقات الدبلوماسية معها لا تزال قائمة، وابرزها رفض النظام الاستجابة للخطة العربية التي أعلن عنها نهاية أكتوبر من العام 2011.
استنتاجات وتوقعات:
من المتوقع أن يواصل النظام السوري تمسكه بثوابته بعدم الاستجابة الجدية للقرارات الأممية خاصة القرار 2254 ومسارات جنيف واحد وغيرها من المبادرات العربية والدولية باستخدام أسلوب التسويف وعدم الرفض المباشر في محاولة منه للالتفاف على ما تراه القوى المعارضة إنها حقوق أساسية للسوريين في الممارسة الديمقراطية والمشاركة في إدارة البلاد وتوزيع السلطات والثروات بدلا من سلطة الحزب الواحد وهيمنة الأقلية التي ينتمي إليها رئيس النظام على المؤسسات السيادية والأمنية.
lang.evaluate content
التعليقات السابقة