وجاءت الزيارة التي أكدت على استمرار الوجود الأمريكي في العراق في ظل حكومة يقودها الإطار التنسيقي الذي يضُم أجنحةً سياسية لعددٍ من المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران والتي توقفت عن استهداف القوات الأمريكية منذ أن كلّف رئيس الجمهورية مرشح قوى الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة التي نالت ثقة مجلس النواب العراقي في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
تعتمد استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية لعام 2022 على مبدأ الردع المتكامل للتهديدات الإيرانية والكورية الشمالية بالتنسيق والتعاون مع الدول الحليفة. وكذلك مواجهة تهديدات المنظمات الإرهابية بالتزامن مع مواجهة التحديات التي تواجه العالم، أبرزها تغير المناخ.
وعشية الذكرى السنوية العشرين لغزو العراق، زار وزير الدفاع الأمريكي "لوي داوستن" العراق في 7 مارس 2023 في زيارةٍ غير مُعلن عنها مسبقاً نقلته أيضاً من بغداد بعد إن التقى كبار المسؤولين في الحكومة الاتحادية إلى أربيل للقاء مسؤولي حكومة إقليم كردستان.
أهمية الزيارة وتوقيتها:
تأتي زيارة الوزير الأمريكي للعراق، في سياق جولةٍ تشمل عدداً من دول المنطقة وإسرائيل التي تُعد أهم محطات جولته في المنطقة.
وجاءت الزيارة التي أكدت على استمرار الوجود الأمريكي في العراق في ظل حكومة يقودها الإطار التنسيقي الذي يضُم أجنحةً سياسية لعددٍ من المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران والتي توقفت عن استهداف القوات الأمريكية منذ أن كلّف رئيس الجمهورية مرشح قوى الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة التي نالت ثقة مجلس النواب العراقي في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
لذلك فإن زيارة لويد أوستن أسقطت دعاوى الفصائل المسلحة الحليفة لإيران بعدم شرعية الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
كما أنّ الزيارة أعادت التأكيد على اهتمام الولايات المتحدة باستكمال مهمة الهزيمة الكاملة لتنظيم داعش في العراق، وفي سوريا أيضاً التي على ما يبدو أن زيارة أوستن على صلة بشكل ما بزيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي إلى شمال شرق سوريا قبل أسبوع من زيارته للعراق، ما يؤكد على أهمية كلّ من سوريا والعراق بالنسبة للولايات المتحدة في الحرب على تنظيم داعش في البلدين.
وفي العراق أوضح لويد أوستن إن مباحثاته مع المسؤولين العراقيين ركزت على مهمة هزيمة تنظيم داعش فقط، وأشار إلى أن أيّ تهديداتٍ أو هجماتٍ على القوات الأمريكية بالعراق من شأنها أن تقوّض هذه المهمة، في إشارةٍ ضمنية إلى هجماتٍ لفصائلَ مسلحة حليفة لإيران على القوات الأمريكية.
ولإقليم كردستان العراق أهمية خاصة للولايات المتحدة التي تعمل على توسيع شراكاتها مع القوى المحلية في العراق لدعم الأمن والاستقرار.
ففي إقليم كردستان اجتمع الوزير الأمريكي مع رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وكبار المسؤولين لبحث علاقات حكومة الإقليم مع الحكومة الاتحادية والخلافات بينهما حول ما يتعلق بحصة الاقليم من موازنة الدولة لعام 2023، وقرارات المحكمة الاتحادية العليا بوقف إرسال الأموال إلى الإقليم ووقف العمل بقانون النفط والغاز الخاص بالإقليم والمعمُول به منذ العام 2007، إضافةً إلى الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني حول الانتخابات التشريعية الخاصة بالإقليم، وملفاتٍ أخرى.
الوجود الأمريكي في العراق:
بعد غزو العراق أقامت الحكومات المتعاقبة علاقات تقترب من توصيف التحالف العميق، أو أحيانا التبعية النسبية أو المطلقة لمراكز القرار الإيراني، فيما حافظ العراق على علاقات شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين في عام 2008 التي نظمت طبيعة العلاقات الأمنية وفي مختلف الجوانب، بما فيها جدولة انسحاب القوات الأمريكية بحلول نهاية العام 2011.
لكنّ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أعاد آلاف الجنود الأمريكيين إلى العراق بطلبٍ رسمي من الحكومة العراقية بعد سيطرة تنظيم داعش في يونيو/ حزيران 2014 على مدينة الموصل وأجزاءٍ من محافظات غرب وشمال غربي العراق، وأجزاءٍ أخرى من شرق وشمال شرقي سوريا.
وقدمت كلّ من طهران وواشنطن دعماً عسكرياً واستخباراتياً للعراق لمواجهة التنظيم حتى إعلان الحكومة الاتحادية نهاية العام 2017 انتهاء العمليات القتالية الكبرى، مع استمرار حاجة العراق لدعم قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية التي بلغ عديدها في تلك الفترة ما بين 5500 و 8000 جندي.
وأعلن الوزير الأمريكي بعد لقاءه برئيس الوزراء العراقي أن قوات بلاده ستبقى في العراق لمهام تتعلق بتقديم الاستشارات والتدريب للقوات العراقية لمواصلة الحرب على تنظيم داعش لضمان هزيمته ومنع ظهوره ثانية.
ومن خلال متابعة تصريحات المسؤولين العراقيين والأمريكيين فإن مباحثات وزير الدفاع الأمريكي لم تتطرق إلى التهديدات الإيرانية "المُفترضة" على الدول الحليفة للولايات المتحدة، أو تشجيع حكومة السوداني على منع استخدام إيران أو القوات الحليفة لها الأراضي العراقية منطلقاً لشنّ هجمات على دول جوار العراق، أو تهديد المصالح الأمريكية في العراق وسوريا والمنطقة.
في مقابل ذلك، يؤكد العراق في بيان، إن حكومة بغداد مهتمة ببناء علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، في إشارةٍ إلى عدم رغبة العراق بالتخلي عن علاقاته مع إيران استجابةً لرغبة الولايات المتحدة، أو تخلي العراق عن علاقاته مع الولايات المتحدة استجابةً لرغبات إيران أو القوى المحلية الحليفة لها التي استصدرت قراراً من مجلس النواب في يناير 2020 بعد يومين من مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني طالبت فيه حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بإخراج جميع القوات الأجنبية من العراق.
حاولت الولايات المتحدة استخدام الاراضي العراقية وقواعد تستضيف قواتها قاعدة لعملياتها في العراق وسوريا خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي كان قد اتخذ قراراً نهاية العام 2018 يقضي بتخفيض أعداد الجنود الأمريكيين في سوريا تمهيداً لسحبهم جميعاً، لكن قادة عسكريين اعترضوا على القرار ما دفع الرئيس الأمريكي للتريث في تنفيذ قراره الذي كانت دواعي اتخاذه تتعلق برؤيته أن بلاده هزمت تنظيم داعش، وأنه لم تعد هناك حاجة لوجود جنودٍ أمريكيين تتحمل الولايات المتحدة الإنفاق عليهم.
ومع تصاعد حدة التوترات في العام 2019 بين إيران والقوات الحليفة لها من جهة، والولايات المتحدة والدول الحليفة والشريكة لها من جهةٍ ثانية، تحولت الأراضي العراقية إلى ساحةٍ للصراع بين الولايات المتحدة وإيران عبر فصائل مسلحة نفذّت عشرات الهجمات على مصالحَ أمريكية وقواعدَ عراقية تستضيف جنود أمريكيين، أو على مصالح الدول الحليفة للولايات المتحدة أبرزها السعودية التي تعرضت منشآتها النفطية في 14 سبتمبر/ أيلول 2019 إلى هجومٍ واسع انطلاقاً من الأراضي العراقية بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة ألحق أضراراً جسيمة بقطاع الطاقة السعودي.
أدى تصعيد الهجمات إلى إعادة القوات الامريكية نشر جنودها في قاعدتي عين الاسد في محافظة الانبار غرب العراق، وقاعدة حرير في أربيل بإقليم كردستان بعد إن كانت تنتشر في ثماني قواعد جوية عراقية.
كما دفع تصعيد هجمات القوات الحليفة لإيران على مصالح أمريكية، أو مصالح لدول حليفة، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى اتخاذ قرار تصفية قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي قُتل بهجومٍ صاروخي شنته طائرة أمريكية مسيرة فجر 3 يناير/ كانون الثاني 2020 قرب مطار بغداد الدولي مع رفيقه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
وتشير تقديرات أمريكية إلى أن هناك ما يزيد عن 2500 جندي أمريكي في العراق لمهام غير قتالية وفق اتفاق مبرم بين واشنطن وبغداد قضى بتحويل مهام القوات الأمريكية بحلول نهاية عام 2021 إلى قوات لمهام غير قتالية تتعلق بتقديم الاستشارات والتدريب والمساعدة في إعادة بناء قدرات القوات الأمنية العراقية وتعزيزها.
تنظر الولايات المتحدة إلى العراق بانه بات لاعبا إقليميا رئيسيا إلى جانب دول الخليج العربية والأردن ومصر.
وتتمتع إيران بنفوذ واسع داخل المجموعات الشيعية المسلحة عموما، وفصائل الحشد الشعبي التي في معظمها متحالفة مع مركز من مراكز القرار الإيراني، الحرس الثوري أو وزارة الأمن والاستخبارات أو مكتب المرشد الأعلى.
وتعمل الولايات المتحدة على منع إيران من استخدام العراق ممراً لعبور المقاتلين والأموال والأسلحة إلى القوى الحليفة لها في العراق أو في سوريا أو لبنان.
ووفقاً لبيانٍ مشترك، جاءت زيارة الوزير الأمريكي من أجل "إعادة التأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق".
في تصريحاتٍ سابقة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني من برلين أعلن فيها أن العراق لم يعد بحاجة إلى قوات قتالية أجنبية، لكنّه لا يزال بحاجة إلى قوات أمريكية لأغراض الاستشارات والتدريب.
والسوداني هو مرشح قوى الإطار التنسيقي وتشكلت حكومته في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وهي حكومة الإطار التنسيقي حيث لا يزال السوداني ملزم بحضور جميع الاجتماعات الدورية أو الاستثنائية للإطار التنسيقي، وإن أي قرار يتعلق بقضايا استراتيجية يكون اتخاذه بالتنسيق مع قيادات الإطار وموافقتهم، بحسب تصريحاتٍ لعددٍ من قيادات الإطار بمن فيهم الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.
واقع الزيارة:
توحي وسائل إعلام أمريكية استناداً إلى تصريحاتٍ لمسؤولين أو دبلوماسيين أو مصادر خاصة إلى أنّ محور جولة لويد أوستن في المنطقة هو بحث التهديدات الإيرانية وسبل مواجهتها بعد الإبلاغ عن اقتراب إيران من إنتاج مواد لازمة لحيازة سلاح نووي أكدته فرنسا وبريطانيا وألمانيا في بيان مشترك في 8 مارس/ آذار 2023.
في الحقيقة، فإن مباحثات الوزير الأمريكي وعلى خلاف ما نشره موقع البنتاغون أو وسائل الإعلام الأمريكية لم تناقش ما يتعلق بالتهديدات الإيرانية.
إن مناقشة التهديدات الإيرانية يمكن أن تكون في جولة جديدة لوزير الدفاع الأمريكي أو أي مسؤول رفيع في حال شملت دولاً تعاني من التهديدات الإيرانية مثل السعودية أو الإمارات، وهما دولتان حليفتان للولايات المتحدة.
وفي الجولة الراهنة التي شملت كلاً من الأردن ومصر وإسرائيل، فإن الراجح أن الوزير الأمريكي ناقش ما يتعلق بقضية التوترات والعنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي تزايدت حدتها في الأسابيع الأخيرة.
لكن من المتوقع أن يكون لويد أوستن قد ناقش مع المسؤولين الإسرائيليين ما يتعلق بتعزيز الاستقرار الإقليمي ومواجهة التهديدات المشتركة من خلال التعاون الدفاعي بين الدولتين، وفق ما جاء في تغريدة للوزير أوستن فور وصوله إلى تل أبيب.
إضافةً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع الأمريكي أن هناك أجندة مشتركة مع الولايات المتحدة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي ومنع الاعتداءات الإيرانية والسعي المشترك لتوسيع دائرة اتفاقيات السلام مع الدول العربية.
خاتمة:
لا يوجد ما يؤكد أن بقاء القوات الأمريكية في العراق لفترة أطول سيكون بقاءً آمناً أو غير آمن.
ومن المرجح أن يكون بقاء القوات الأمريكية بقاءً آمناً في ظل معطيات واضحة تشير إلى أن الفصائل المسلحة الحليفة لإيران التي نفذت مئات الهجمات على مصالح أمريكية ستلتزم بعدم استهداف الأمريكيين بعد أن توقفت هجماتهم منذ تشكيل الإطار التنسيقي الحكومة الجديدة في أكتوبر 2022 برئاسة السوداني.
سيعتمد السوداني سياسة معلنة تستند إلى مواد الدستور بعدم السماح بأن تكون الأراضي العراقية منطلقا للعدوان على الدول الأخرى، كما أن العراق يرفض أي تدخلات خارجية في شؤونه الداخلية، أو أن تحوّل دولة أو أخرى أراضيه إلى ساحة للصراعات بينها أو تصفية الحسابات.
ومن جانبها، فإن الولايات المتحدة تتحدث عن إن القوات الأمريكية مستعدة للبقاء في العراق لأنها جاءت بدعوة رسمية من الحكومة العراقية، وأنها منذ نهاية العام 2021 لم تعد هناك قوات قتالية إنما هناك قوات تمارس أدوارا غير قتالية تتعلق بتقديم المشورة والتدريب والمساعدة في إعادة بناء قدرات القوات الأمنية العراقية التي تخوض حربا ضد الإرهاب.
lang.evaluate content
التعليقات السابقة