ليوم واحد، استضافت العاصمة الأردنية في منطقة البحر الميت غرب عمان مؤتمر قمة بغداد للتعاون والشراكة الثانية بمشاركة ممثلي 12 دولة عربية واجنبية، وعدد من المنظمات الدولية والإقليمية وسفراء عشرات الدول.
ليوم واحد، استضافت العاصمة الأردنية في منطقة البحر الميت غرب عمان مؤتمر قمة بغداد للتعاون والشراكة الثانية بمشاركة ممثلي 12 دولة عربية واجنبية، وعدد من المنظمات الدولية والإقليمية وسفراء عشرات الدول.
الهدف المعلن من تنظيم مؤتمر قمة بغداد مساعدة العراق ودعمه في مكافحة الإرهاب وإعادة الاعمار وتنمية القطاعات الاقتصادية، والحفاظ على وحدة الأراضي العراقية وسيادته وأمنه واستقراره، وتطوير آليات التعاون معه.
ومن بين أهم الملفات التي ناقشها المشاركون في القمة الثانية، الأمن الغذائي وأمن الطاقة في المنطقة والعالم وجهود مكافحة الإرهاب والتطرف وضرورة دعم وحدة الأراضي العراقية وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتاكيد على حاجة المنطقة للاستقرار والسلام العادل والشامل والتعاون الإقليمي لمصلحة دول المنطقة والعالم.
وعقدت الدورة الأولى من المؤتمر في العاصمة العراقية بغداد في 28 أغسطس 2021 بمشاركة السعودية والإمارات والكويت وقطر ومصر والأردن وتركيا وإيران وفرنسا، إضافة إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
والى جانب الدول العشر المشاركة في الدورة الأولى، شاركت كل من البحرين وسلطنة عمان لأول مرة في اعمال مؤتمر قمة بغداد بدورته الثانية التي عقدت في عمان يوم 20 ديسمبر 2022، الى جانب منظمات دولية وإقليمية ابرزها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.
القمة الثانية امتداد للقمة الأولى:
ومع حقيقة ان مستوى تنفيذ مخرجات قمة بغداد الأولى لا يزال متدنيا، فإن المشاركين في القمة الثانية أعادوا تأكيد الخطوط العريضة للقمة الأولى.
وتعد القمة الثانية امتدادا للقمة الأولى مع متغيرات في عدد الدول المشاركة بدخول كل من البحرين وسلطنة عمان، ومشاركة منظمات دولية لأول مرة مثل الاتحاد الأوروبي.
وفي القمة الثانية، أكد المشاركون على استمرار العمل للبناء على مخرجات الدورة الأولى لمؤتمر بغداد، والمضي في التعاون مع العراق دعما لأمنه واستقراره وسيادته ومسيرته الديمقراطية وعمليته الدستورية وجهودها لتكريس الحوار سبيلا لحل الخلافات الإقليمية.
أبرز مواقف العراق في القمة :
• السعي لرعاية التواصل والحوار ومواصلة دور الوسيط كسبيل لحل الخلافات وتقريب وجهات النظر لنزع فتيل الأزمات في المنطقة.
• من المهم للعراق بناء علاقات تعاون متوازنة مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
• الابتعاد عن سياسة المحاور واعتماد سياسة التهدئة وخفض التصعيد
• رفض التدخل في شؤونه الداخلية في ذات الوقت رفض ان يكون العراق منطلقا للاعتداء على الدول الأخرى.
• العمل على بناء شراكات إقليمية ودولية مبنية على المصالح المشتركة، بما في ذلك إنشاء المشاريع الاستراتيجية التكاملية لربط العراق مع محيطه الإقليمي.
قمتان على هامش القمة :
أولا: قمة ثلاثية ضمت العراق والأردن ومصر، جرى خلالها مناقشة أوجه التعاون بين الدول الثلاث وتعزيز الشراكة وسبل تفعيل التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات، والتأكيد على أهمية ترابط البنى التحتية بين الدول الثلاث وتقوية الاستثمارات المتبادلة، ووضع آليات للتعاون الثلاثي في مشاريع الربط الكهربائي والنقل، وغيرها من المشاريع الاقليمية التي تسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي والتنمية، وبناء الجسور مع الأسواق العالمية، وبما ينعكس إيجابًا على المنطقة برمتها.
ثانيا: قمة خماسية ضمت كل من العراق والأردن ومصر وفرنسا بالإضافة الى دولة الكويت جرى خلالها بحث قضايا عامة تتعلق بالتعاون الاقتصادي وتعزيز مجالات الاستثمار وما يتعلق بالربط الكهربائي والسكك الحديد وجهود مكافحة الإرهاب وسبل دعم العراق في كافة المجالات.
الدور الفرنسي
تحاول فرنسا عبر العراق أن تلعب دورا في اعادة صياغة التحالفات في المنطقة على أسس الشراكات الاقتصادية بين دول الإقليم والعراق في مسعى منها لتفكيك العزلة التي تعيشها الحكومات العراقية المتعاقبة بعد أن باتت هذه الحكومات تمثل الى حد ما راعية للمصالح الايرانية.
من المهم لفرنسا التي بادرت لاستثمار انفتاح العراق في عهد حكومة مصطفى الكاظمي على الدول العربية ومحاولته خلق موازنة بين علاقات بلده مع الدول المتضررة من الأنشطة الإيرانية وفي مقدمتها السعودية اللاعب الإقليمي المهم والحليف لدولة الإمارات ودول أخرى من جهة، وإيران من جهة اخرى.
يمكن القول أن الكاظمي الذي استغل وجوده لسنوات على رأس جهاز المخابرات قبل توليه رئاسة الحكومة الانتقالية في مايو 2020 نجح في بناء علاقات مع الاجهزة النظيرة في عدة دول من دول المنطقة للتنسيق في الحرب على تنظيم داعش، ما أهله للعب دور في اعادة العراق الى محيطه العربي عبر زيارات أجراها لعدد من دول المنطقة التي هي الاخرى تمتلك ما يكفي من الرغبات في عقد شراكات اقتصادية مع العراق، خاصة مصر والاردن اللتان تعانيان من اوضاع اقتصادية صعبة، ومع دول اخرى لديها فائض نقدي تتطلع لاستثماره في العراق الذي هو بحاجة الى المزيد منها في قطاعات الخدمات والطاقة والصناعة وإعادة الإعمار وغيرها.
وتعتقد دول فاعلة في المنطقة أن سياسات الكاظمي ابتعدت كثيراً عن دائرة السياسات الإيرانية وأن الاستجابة لانفتاح العراق على دول المنطقة كفيلة بإضعاف الدور الإيراني.
ولعبت فرنسا دور المنسق بين العراق ودول المنطقة للمبادرة بعقد مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون في العاصمة العراقية في أغسطس 2021.
ومن وجهة النظر الفرنسية التي كان تمثيلها على مستوى رئيس الجمهورية فان العراق الذي يتمتع بثروات هائلة بحاجة الى فك عزلته واستجلاب الاستثمارات الخارجية وعقد الشراكات الاقتصادية وبناء مشاريع استراتيجية مشتركة تلبي حاجات العراق في مجالات الطاقة والكهرباء والنقل وغير ذلك.
ولا يعتقد ان مبادرة فرنسا لعقد مثل هذا المؤتمر على صلة بتراجع الدور الأمريكي في رسم السياسات في العراق او محاولة واشنطن الانسحاب التدريجي من ملفات المنطقة، ومن المفيد للولايات المتحدة أن تستثمر أي جهود دولية تحاول اخراج العراق من دائرة النفوذ الإيراني، وبالتاكيد فان مبادرة الرئيس الفرنسي في تنسيق عقد المؤتمر تصب في هذا الاتجاه.
التحديات أمام قمة بغداد الثانية:
1- يواجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تحدي الإفلات من ضغوط القوى الحليفة لإيران التي تعمل على تعطيل أي محاولات للانفتاح على المحيط العربي او الإقليمي باستثناء الانفتاح على إيران التي تعتقد أن مصلحتها تكمن في تمتين علاقات العراق مع دول جواره العربي للعب دور الوسيط وتحسين علاقات طهران مع الدول العربية بما يخدم مصالحها في التقليل من تداعيات العقوبات الأممية عليها.
2- قدرة مثل هذه المشاركات الخارجية والدور الإقليمي العراقي في تغيير الصورة النمطية عن العراق في قطاعات الاستثمارات حيث من المهم للعراق الذي يعاني من أزمات اقتصادية متراكمة جراء الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة أن يستدرج المزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية التي تظل رهن الأمن والاستقرار الذي شهد تحسنا نسبيا في السنوات الأخيرة لكنه لا يزال يشكل بيئة طاردة للمستثمرين الأجانب بعد ان انتهت تهديدات تنظيم داعش وتعزز نفوذ المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران والتي تفرض مكاتبها الاقتصادية رسوما على المستثمرين والشركات ورجال الأعمال مقابل السماح لهم بممارسة نشاطاتهم في المحافظات السنية التي لا تزال عملية إعادة الإعمار متلكئة حتى بعد أربع سنوات على انتهاء العمليات القتالية ضد تنظيم داعش.
3- مدى جدية السوداني الذي يقود حكومة الإطار التنسيقي في مغادرة تأثير قيادات الإطار التي تسيطر على الجزء الأهم من قرارات مؤسسات الدولة من خلال تمثيل المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة وأحزاب سياسية حليفة لإيران في مجلس النواب وفي مستويات رفيعة من السلطة التنفيذية بما فيها اكثر من وزارة يقودها قياديون لمجموعات مسلحة.
4- في مقابل ذلك، سيكون على السوداني تبديد مخاوف الدول الإقليمية من الانقلاب على سياسات الكاظمي المنفتحة على دول الجوار العربي طالما أن هذه الدول ترى ان السوداني في حقيقته يمثل قيادات الاطار التنسيقي الحليفة لإيران، وانه جزء اصيل من قوى الإطار ويقود حكومة هي في حقيقتها حكومة الإطار التنسيقي.
خلاصات:
• شدد المؤتمر على ما يتعلق بدعم العراق في مكافحة الإرهاب وتعزيز مؤسسات الدولة ودعم الاقتصاد العراقي وإبعاد العراق عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية ومنع ان تكون أراضيه منطلقا للاعتداء على دول أخرى.
• رغبة الدول المشاركة وتأكيدها على دعم جهود العراق في أن يلعب دورا رياديا في المنطقة.
• قد يكون التأكيد على دعم التعاون الثلاثي بين العراق والأردن ومصر من بين أبرز مخرجات المؤتمر اذ يبدو ان هذا التعاون هو المحطة الوحيدة التي انتقلت فيها مخرجات القمة الأولى من الاطار التنظيري الى الاطار العملي، وقد يتكرر ذات الامر في مخرجات القمة الثانية التي اقتصرت في عمومها على توضيح السياسات العامة للدول المشاركة.
lang.evaluate content
التعليقات السابقة