في قراءة لتركيبة القوى الفاعلة في الحكومة الجديدة، فإن المؤشرات تتجه إلى أن السوداني سيتولى إدارة دولة تقودها حكومة خاضعة بشكل أكيد لقوة ونفوذ قادة الفصائل المسلحة
في قراءة لتركيبة القوى الفاعلة في الحكومة الجديدة، فإن المؤشرات تتجه إلى أن السوداني سيتولى إدارة دولة تقودها حكومة خاضعة بشكل أكيد لقوة ونفوذ قادة الفصائل المسلحة، ومنهم من عُيّن وزيراً في حكومة السوداني، مثل النائب أحمد الأسدي الذي يقود كتائب جند الإمام، ونعيم العبودي القيادي البارز في حركة عصائب أهل الحق، وهما فصيلان مسلحان مرتبطان بالإطار التنسيقي ومتحالفان في نفس الوقت مع إيران.
وعلى ما يبدو فإن حضور الحشد الشعبي والمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران بدا أكثر وضوحاً في حكومة السوداني مما كان عليه في الحكومات الثلاث التي تشكلت في العراق بعد ظهور الحشد الشعبي في 2014، أي حكومات حيدر العبادي (2014 – 2018) وعادل عبد المهدي (2018 ، 2019) ومصطفى الكاظمي (2019 – 2022).
وهناك الكثير من المعطيات التي تؤكد أن العراق سيتجه للابتعاد عن جميع الأطراف الإقليمية والدولية المناهضة لإيران، والاتجاه نحو تعميق العلاقات بشكل أكبر مع إيران والتي من المحتمل أن يكون لها نفوذ متفرد يقصي أي نفوذ آخر سواء نفوذ الولايات المتحدة أو غيرها.
تحديات داخلية وخارجية
من بين أبرز التحديات التي سيواجهها السوداني وحكومته، مكافحة الفساد والسلاح خارج سلطة الدولة وإصلاح القطاعات الاقتصادية والخدمية والقضاء على البطالة، والإبتعاد عن سياسة المحاور في علاقات العراق مع الدول الأخرى وعدم السماح بتحويل الأراضي العراقية منطلقاً للإعتداء أو مهاجمة الدول الأخرى أو تحويل الأراضي العراقية إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية.
لا يُعتقد أن السوداني يمتلك الرغبة الكافية في تطهير مؤسسات الدولة من نفوذ الفصائل المسلحة، لكن ذلك يعتمد أساساً على مدى رغبة أو قدرة السوداني على الإفلات من تأثير رجل الدولة القوي نوري المالكي.
وسيواجه السوداني تحدي ممارسة السلطة وفق ما يحفظ سيادة الدولة واستقلال قرار مؤسساتها الأمنية والعسكرية والحد من السلاح المنفلت خارج سلطة الدولة، بما فيه سلاح الأجنحة العسكرية للتيار الصدري والتي هي الأخرى لا تتلقى أوامرها من القائد العام للقوات المسلحة.
ومع احتمالات امتلاكه الرغبة بإدارة الدولة العراقية بقرار مستقل غير خاضع لضغوطات قادة الفصائل، فإنه سيواجه تحدي تعزيز استقلال القضاء العراقي وإبعاده عن أي محاولات لتسييس قراراته وأحكامه ودعمه في مواجهة ضغوط القوى المتنفذة وهذا لن يكون من دون إعادة هيكلة المؤسسة القضائية التي لعبت دورا سياسياً في عرقلة عقد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بتبني تفسيرات لمواد دستورية تتفق مع توجهات قوى الإطار التنسيقي الذي لعب دور "الثلث المعطل" بتسهيل من القضاء العراقي لمنع الكتلة الصدرية من تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية.
لذلك، من غير المتوقع أن يجري رئيس الحكومة الجديد أي تغييرات في هيكلة المؤسسات القضائية تؤدي في النهاية إلى استعادة القضاء استقلالية قراره وإبعاد تأثير قادة الفصائل على قراراته وتسييسها بما يخدم سياسات تلك الفصائل والاتجاهات المرحلية اللاحقة التي قد تؤدي إلى تحول العراق إلى دولة يمكن وصفها بانها دولة "الفصائل المسلحة"، أو دولة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران.
تحدي التيار الصدري
من المؤكد أن أي رئيس حكومة جديد يبتدئ إدارته لسلطاته بإجراء تغييرات في مواقع المسؤولية المتقدمة في معظم مؤسسات الدولة، وتتضمن التغييرات المألوفة إصدار قرارات بإقالة أو إعفاء أو نقل مسؤولين من مواقع معينة واستبدالهم بمسؤولين آخرين على صلة ما بتنفيذ رئيس الحكومة لبرنامجه الوزاري، لكن في معظم الأحيان تجرى التغييرات على خلفيات حزبية لتعزيز نفوذ أحزاب أو تيارات أو حركات على حساب أحزاب أو تيارات أو حركات أخرى.
سيحاول محمد شياع السوداني الموازنة بين الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي وإبعاد العراق عن الفوضى والاقتتال الداخلي مع الأجنحة العسكرية للتيار الصدري من جهة، ومن جهة أخرى عدم استفزاز التيار الصدري بقرارات من شأنها ان تدفع رئيس التيار الصدري باتجاه اللجوء إلى خيار الشارع واستخدام القوة المسلحة مرة أخرى لفرض الأمر الواقع وذلك على الرغم من أن الأجنحة العسكرية للتيار الصدري فشلت في مواجهة القوات الأمنية وقوات أمن الحشد اثناء اقتحامها المنطقة الخضراء والقتال في داخلها لمدة يومين وفشلها في السيطرة على المؤسسات السيادية وقصري رئاسة الجمهورية والحكومة.
ويتمتع التيار الصدري بنفوذ واسع في معظم مؤسسات الدولة العراقية عبر نحو 300 درجة وظيفية ضمن تصنيف "الدرجات الخاصة" التي تشمل وزراء ووكلاء وزراء وسفراء ورؤساء مؤسسات سيادية وأجهزة أمنية وهيئات مستقلة ومحافظون وغير ذلك.
لذلك سيكون من المهم للسوداني القضاء التدريجي على نفوذ التيار الصدري في مؤسسات الدولة العراقية دون أن تكون هناك حالة استهداف معلنة تثير الريبة وعدم الثقة لدى قيادات التيار الصدري واعتقادهم بانهم مستهدفون بالاجتثاث على غرار اجتثاث البعثيين وانصار النظام السابق، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به التيار الصدري وقد يدفعه للقتال دفاعاً عن مكاسبه ومصالحه ووجوده.
من المتوقع ان يلجأ السوداني إلى اجراء المزيد من التعيينات لشخصيات مهنية أو من الكفاءات من غير المحسوبين على التيار الصدري أو المقربين منه والزج بهم في مواقع المسؤولية في الدوائر والمؤسسات التي تخضع لنفوذ التيار الصدري من خلال إدارتها بقيادات أو أعضاء من التيار.
فيما سيُبقي السوداني على قيادات التيار الصدري في مناصبها في الدرجات الوظيفية الخاصة محاطة بعدد من الموظفين أو المسؤولين الجدد لتحجيم نفوذ وسلطات التيار بشكل تدريجي يفضي في النهاية إلى إبعادهم عن مراكز القرار أو تعزيز صلاحيات المسؤولين الجدد الذين سيواصلون العمل تحت إدارة مسؤولين من التيار الصدري سيُبقيهم السوداني على رأس عملهم مع تقليص صلاحياتهم بشكل تدريجي لا يثير حفيظة التيار الصدري وأتباعه.
التغييرات المحتملة في المناصب الرفيعة
من بين ما تضمنه المنهاج الوزاري الذي تقدم به محمد شياع السوداني إلى مجلس النواب لإقراره، إعادة النظر بالقرارات التي اتخذتها حكومة الكاظمي ومراجعتها.
واستند السوداني في الغاء قرارات حكومة تصريف الاعمال التي كانت برئاسة الكاظمي الى قرار المحكمة الاتحادية العليا 121 لعام 2022، الذي نص على أن حكومة تصريف الأمور اليومية، أي الحكومة السابقة، ليست لديها الصلاحية في إصدار أوامر التعيين وإعطاء الموافقات والاتفاقات، وبقية الصلاحيات التي هي صلاحيات حصرية لحكومة دائمة
وتتخذ قرارات الإعفاء او الإقالة بناء على توصيات لجنة برئاسة مدير مكتب رئيس الوزراء إحسان العوادي الذي عُين حديثاً هو الآخر بقرار من السوداني، والمعروف بقربه من وزير الخارجية الأسبق إبراهيم الجعفري، بالإضافة الى توصيات رئيس الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ورئيس مجلس الخدمة الاتحادية، تتولى إعادة النظر في الأوامر الديوانية والموافقات الملغاة وشاغليها، وتقديم التوصيات الملائمة خلال مدة 21 يوم عمل، حداً أقصى إلى رئيس مجلس الوزراء للبت فيها، حسب بيان صادر عن مجلس الوزراء.
سيركز محمد شياع السوداني على استبدال أو إقصاء مسؤولين متنفذين في مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وعلى شخصيات قيادية في المؤسسات الأمنية والعسكرية جاء بها الكاظمي إلى مواقع المسؤولية ومعظمها لها مواقف بالضد من نفوذ قوى الإطار التنسيقي التي جاءت بالسوداني إلى رأس السلطة وما يترتب على ذلك من الإيفاء بالتزامات وتعهدات قطعها السوداني على نفسه امام قادة الإطار، إلى جانب حقيقة أن السوداني كشخصية قيادية من ذات محيط القوى الفاعلة المقربة من إيران، وبالتالي هو جزء من هذا المحيط وتوجهاته.
وقررت الحكومة العراقية الجديدة، "إلغاء جميع الأوامر الديوانية والموافقات الصادرة من الحكومة السابقة بشأن تعيين وتكليف رؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة والدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم ومن يتقاضى رواتبهم بدءا من 8 أكتوبر 2021".
وأهم تلك المناصب، الأمين العام لمجلس الوزراء والسكرتير الخاص برئيس الوزراء ورئيس جهاز المخابرات الوطني ووكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات والتحقيقات ومجموعة المستشارين الشخصيين وآخرين عملوا طويلاً إلى جانب الكاظمي ونفذوا الكثير من قراراته أهمها اعتقال أعداد من المتهمين بقضايا الفساد المالي، بينهم مسؤولين كبار.
ومع ذلك، فإن قيادات في الإطار التنسيقي وأعضاء في مجلس النواب أعطوا إشارات واضحة بوجود خطة لدى حكومة السوداني لمكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين لن تستثني رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وكبار مسؤولي حكومته وسط دعوات لهيئة النزاهة باتخاذ إجراءات إحترازية لمنع سفر الكاظمي وفريق عمله بغية النظر في المخالفات الدستورية والمالية والإدارية والتحقيق مع مسؤولين في حكومة الكاظمي تدور حولهم شبهات فساد وإهدار المال العام، واختلاس أموال حكومية، إضافة إلى تجاوز الصلاحيات في القرارات التي اتخذها.
وتشير متابعة المتغيرات التي أجراها الكاظمي في مواقع المسؤوليات الأمنية والعسكرية إلى أن هناك عدد من المسؤولين الذين شكلوا الحلقة الضيقة حول الكاظمي، أو فريق عمل الكاظمي الذين تولوا إدارة الدولة في تلك المرحلة بإشراف وتوجيه رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي.
أبرز هؤلاء، مدير عام أمانة مجلس الوزراء وهو منصب سيادي من أهم المناصب في السلطة التنفيذية ولها صلاحيات واسعة وكانت من حصة التيار الصدري ممثلة بالقيادي في التيار الصدري حميد العزي، وإلى جانب هذا المنصب ثمة مناصب أخرى تتفاوت أهميتها وفق حسابات معينة من بينها طبيعة الأوضاع السياسية والأمنية والوضع الاقتصادي وغير ذلك.
وفي الجلسة الثانية لمجلس الوزراء صوت المجلس على إلغاء جميع المراسيم الصادرة عن حكومة تصريف الأعمال اعتبارًا من 8 أكتوبر 2021، وتشمل إقالة رئيس جهاز المخابرات الوطني رائد جوحي الذي عين بدلاً واستلام إدارة الجهاز من قبله من موقع أدنى.
وكذلك عزل مشرق عباس من منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء والذي تم تعيينه في عام 2020، فيما عُين الإعلامي في قناة العهد المملوكة لحركة عصائب اهل الحق ربيع نادر مديراً لمكتبه الإعلامي، إضافة الى أمين بغداد عمار موسى، وقائد الفرقة الخاصة لحماية المنطقة الخضراء الفريق الركن حامد مهدي الزهيري، وكذلك إعفاء الوكيلين في وزارة الخارجية صفية السهيل وعمر البرزنجي.
وتشير توقعات خبراء في الشأن العراقي الى أن قيادة العمليات المشتركة ستذهب إلى اللواء قيس المحمداوي الذي كان من الدائرة المقربة من أبو مهدي المهندس الذي قتل بغارة أمريكية في 3 يناير 2020.
التحدي الإقليمي والدولي
لا توجد أي إشارات واضحة على سياسات قوى الإطار التنسيقي وموقفها من التواجد العسكري الأمريكي في العراق بعد تشكيل الحكومة الجديدة والهيمنة المتوقعة على قرارها من قيادات المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران.
وخلال مرحلة مفاوضات تشكيل الحكومة لعبت السفيرة الامريكية دوراً مهما عبر سلسلة من اللقاءات مع قيادات الاطار التنسيقي ولقاءات أخرى مع محمد شياع السوداني اثناء المفاوضات وبعد تكليفه بتشكيل الحكومة ولقاء ثالث بعد منح حكومته ثقة مجلس النواب.
من المتوقع ان تُخضع الولايات المتحدة أداء معظم المؤسسات الأمنية والعسكرية لمراقبة المختصين في إدارة جو بايدن، وقراءة المتغيرات المحتملة سواء بالمناصب العليا أو ما يتعلق بتغلغل قادة الفصائل المسلحة والمجموعات الشيعية الحليفة لإيران في مراكز القرار العليا والتي حاول رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في الأسابيع الأولى من توليه منصب رئاسة الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الحد من نفوذ تلك القيادات وتنفيذ اعتقالات لبعض أبرز قادتها، مثل القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح والذي فشل الكاظمي في الاحتفاظ به وتقديمه إلى القضاء العراقي، حيث أُفرج عنه بعد ساعات دون محاكمة بضغط من قيادات المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران.
تحدي الإيفاء بالمنهاج الوزاري
ومع واقع غياب الدور السياسي للتيار الصدري في مفاوضات تشكيل الحكومة وعدم مشاركة أعضاء التيار في حكومة السوداني، فان الملفات التي ستتصدى لها الحكومة، ومنها ملف الفساد والسلاح والانتخابات المبكرة ستظل في دائرة اهتمامات التيار الصدري ورقابته ما يقود إلى احتمالات عودة رئيس التيار عن قرار اعتزاله السياسة "نهائيا" باستصدار فتوى دينية تنقض فتوى مرجعه كاظم الحائري الذي أعلن اغلاق مكاتبه ودعا مقلديه لتقليد المرجع الإيراني الأعلى علي خامنئي،
وينص المنهاج الوزاري على تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام.
وعلى الرغم من أن التشكيلة الوزارية الجديدة خضعت لمبدأ المحاصصة في اقتسام الحقائب الوزارية الـ 23 بين المكونات الثلاث الأساسية، 12 وزارة للشيعة وست وزارات للعرب السنة وأربع وزارات للكرد ووزارة واحدة للمسيحيين، بدا واضحاً حضور قيادات الفصائل في هذه التشكيلة بشكل أقوى من الحكومات التي تسلمت السلطة في العراق بعد تشكيل الحشد الشعبي عام 2014، وهي حكومات حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي.
من المتوقع أن ينجز السوداني بعض ما جاء في المنهاج الوزاري، لكن لا يبدو ان أمامه المزيد من الوقت للإيفاء بالتعهدات التي ألزم بها نفسه وحكومته بما يتعلق بكم هائل من تراكمات الفساد أو حصر السلاح بيد الدولة أو الإصلاح الجذري للاقتصاد العراقي وقطاع الخدمات والبطالة وما إلى ذلك، إلى جانب معالجة ملفات حساسة تدخل في جوهر اهتمامات قادة الفصائل وتشكل مراكز نفوذ لفصائلهم، مثل المدن الخاضعة لسيطرة المجموعات الشيعية المسلحة والتي تمنع هذه المجموعات سكانها من العودة بعد نحو خمس سنوات على انتهاء العمليات القتالية الكبرى ضد تنظيم الدولة، مثل مدن جرف الصخر في بابل والعوجة ويثرب في صلاح الدين وعشرات القرى والمدن في محافظة ديالى وفي سنجار بمحافظة نينوى ومدن أخرى في محافظات غرب وشمال غرب العراق لا يزال سكانها ممنوعون من العودة إليها.
lang.evaluate content
التعليقات السابقة